مثلّث إدارة النزاع ........... د. ريك فويلز
هل لديك كل أضلاع النجاح؟
تقريباً، لا يستمتع بخوض النزاع أحد من البشر. كلّهم يتجنّبونه، وعندما يتدرّبون على مهارات إدارة النزاع فإنّ ما يركّزون على تحصيله فعلاً إنّما هو مهارات تفادي النزاع. نعلّم أطفالنا منذ نعومة أظفارهم اجتناب النزالات في المدرسة، نعلّمهم أن لا يخوضوا في الخلافات وأن ينهوا الأمر إمّا بقلب الصفحة أو بالتنازل.
وفي عالم العلاقات بين الكبار نرى توجّهاً مشابها يحثّ -المرأة خصوصاً- على تقديم الروابط العائلية على ذاتها والتضحية بمصالحها واحتياجاتها الشخصية.
نتيجةً لذلك نرى أن حضارتنا (أي حضارة أو ثقافة الكاتب الغربيّ) مفتقرةٌ إلى الدفء والطمأنينة. إنّنا ننشئ أطفالاً لا يعرفون كيف يديرون غضبهم، أو كيف يتعاملون مع النزاع تعاملاً مثمراً.
الهروب أو الإذعان ليست إدارة للنزاع!
متى يتعلّم أبناؤنا: كيف يخوضون النزال؟ ومتى؟ ولأجل ماذا؟
أجل، قد أكون أنا أو أنت أكثر الناس هدوءاً ومسالمةً في هذا العالم ولكن هذا لا يعني أنّ من حولنا مثلنا أيضاً، وإذاً ألا ينبغي التفكير في كيف نتعلّم مهارات التعامل مع إقدامهم هم على الوقوف في وجوهنا؟
أنا خبير في شؤون النزاعات، ويعتبرني كثير من الناس صانع سلام. تستأجر خدماتي كي أغوص في ثنايا النزاعات وأقدّم الإرشاد، والوضوح، وفرص الحل. كما تستأجر خدماتي أيضاً لتدريب الناس. ومن خلال هذه الخبرة أعرف أنّ معظم الناس يعتبرون تدريب إدارة النزاع أداةً لتفادي النزاعات. وفكرتهم هي "من خلال التدريب على مهارات النزاع سنصبح أقدر على البقاء بعيداً عنه" ولعلّ هذا الظنّ أحد أكبر المفاهيم المغلوطة في ميدان إدارة النزاع.
إن التدريب على مهارات إدارة النزاع مصمّم لتزويد الناس بمهاراتٍ يستخدمونها في مواجهة النزاع، وليس لمنعه. أيّ فائدة لمهارات إدارة النزاع دون أيّ نزاع؟ مهارات إدارة النزاع تهدف إلى تعزيز النتائج الإيجابية الناجمة عن خوض الخلافات، ولا تهدف إلى منع الخلافات.
تقوم إدارة النزاع على ثلاث زمرٍ مختلفة من المهارات: مهارات التواصل، مهارات التفاوض، ومهارات الحل. كل زمرةٍ منها عنصرٌ جوهري لا غنى عنه لدى أيّ ممارسٍ لإدارة النزاعات يرجى له النجاح.
مهارات التواصل لا تحلّ النزاع:
بعد الوهم الأول (أنّ إدارة النزاع = تفادي النزاع) فإن الوهم الكبير الثاني هو أنّ مهارات التواصل الممتازة تحلّ النزاع. إنّ هذا الوهم أو التصوّر المغلوط يذكّرنا بواقع أنّ كثيراً جداً من التدريب المطروح اليوم تحت مسمّى إدارة النزاع ما هو في الحقيقة إلاّ تدريبٌ على مهارات التواصل.
وهكذا لا يُستغرب ضعف مقدرتنا على إدارة النزاع في حياتنا الخاصة أو في مجالاتنا المهنية. إنّ مهارات التواصل من دون مهارات التفاوض، والحلّ لا تجدي، بل في كثير من الأحيان لا يؤدّي الاعتماد المنفرد عليها وتحميلها ما لم تصمّم للقيام به إلاّ إلى ملأ المرء باليأس من مقدرته، أو وصم الحالة بالحالة المستحيلة المستعصية على تدخل البشر.
إنّ مهارات التواصل مصمّمةٌ لإبقاء الأبواب مفتوحةً والأقنية بين الأطراف سالكة، وهذا لا يكفي لحل النزاع.
بعد فتح الباب بالتواصل يأتي دور زمرتي المهارات المكمّلتين لثلاثية حل النزاع (مهارات التفاوض، ومهارات الحل) لتمضي بك إلى وراء عتبة الباب (الذي تحافظ عليه مفتوحاً بمهارات التواصل).
إن مهارات التواصل ليست مصممة لتقوم بدور مهارات التفاوض ومهارات الحل. وحتّى ينجح ممارس حل النزاعات لا بدّ من أن يكون مدرّباً على الزمر الثلاث جميعاً. ولأنّ قليلاً من الناس يتلقّون تدريباً حقيقيّاً على مهارات التفاوض فإنني أرى معظم المتدخّلين بحل النزاعات لا يمارسون مهارات التفاوض وإنما يعلقون عند تكتيكات الإقناع مثل التهديد، أو المعاقبة، أو العار، أو الإشعار بالذنب، أو باللامبالاة. إنّ التركيز على تكتيكات الإقناع هذه كثيراً ما يصعّد النزاعات، ويوسّع الهوّة بين أطراف النزاع وبين النهايات الإيجابية المحتملة.
ثلاثيّة حل النزاع: يعزّز بعضها بعضاً
ولا يغني بعضها عن بعض
عند استخدامها استخداماً حكيماً فعّالاً تمتزج وتتكامل مهارات التفاوض ومهارات الحل لتبدو زمرة واحدة، ولكنها ليست كذلك. يميّز تدريب مهارات الحل عن تدريب مهارات التفاوض عنصران هما: استكشاف الاحتياجات، وتطوير منظور حرية اختيار المسار وتقرير المصير ذاتياً self determination.
إن مهارات التفاوض من دون مهارات الحل ما هي إلاّ قالبٌ لمفاوضات الأجور أو عقود التجارة. ومهارات الحل من دون مهارات التفاوض إنّما هي تحكيم arbitration. نعم يمكن للقضاة والمحكّمين فض النزاعات ولكن لا يمارس القاضي أوالمحكّم التفاوض ولا يحتاجانه مثلما يحتاجه ويمارسه الوسيط mediator المختصّ بحلّ النزاعات. إنّ الوسيط المختص بإدارة وحل إدارة النزاعات يعتمد على ممارسة زمر المهارات الثلاث جميعاً.
يقصّر كثير من جهود التدريب على إدارة النزاع في ملاحظة ومراعاة طبيعة النزاع وآلياته. إنّها تنصرف بالناس نحو البحث عن تدابير سريعة سهلة.. وبعد ذلك تجد الناس يتساءلون مستغربين: لم لا يمكننا تطبيق هذا التدريب والانتفاع به خارج قاعات الدراسة في حياتنا اليومية؟!
لا بدّ من القيام بالكثير في التدريب على إدارة النزاع بعيداً عن مجرّد تفادي النزاع. ولا يمكن لأي إنسان رجاء حصيلة إيجابية مثلى بعد خوض أيّ نزاع إلاّ بعد أن تترسّخ لديه ثلاثية المهارات المترابطة التي أشرنا إليها: مهارات التواصل، ومهارات التفاوض، ومهارات الحل.
موضوع: مثلّث إدارة النزاع للدكتور ريك فويلر 
الثلاثاء 28 يونيو 2011 - 22:10
